رئيس مجلس الإدارة
د. مروة حسين

نائب رئيس مجلس الإدارة
م. ياسين الزيني

رئيس التحرير
ا. محمد صلاح

المدير التنفيذي
د. محمد زكريا

د. آية الهنداوي تكتب : موسى في غزة : نبوة الرحمة تصرخ في وجه القتل

في لحظةٍ يتصاعد فيها الدخان من بيوتٍ فلسطينية مهدّمة وتختلط فيها صرخات الأطفال بصفارات الإنذار ، وهدير الطائرات ، وأزيز الصواريخ تستدعي الذاكرة والضمير الإنساني صورة النبي موسى
( عليه السلام) بوصفه حامل رسالة التحرير الإلهي في مواجهة الطغيان. أمام واقع يحكمه الحديد والنار، تنبعث في داخلي أسئلة موجعة: هل هذا هو “شعب الله المختار ” كما تصفه النصوص؟ وهل كانت هذه هي وصايا موسى لبني إسرائيل؟ أم أننا أمام خيانة صريحة للعهد الإلهي؟

لقد ارتبط موسى في الوعي الديني اليهودي والإسلامي بنبوّة العدل والتحرر من الإستعباد ومواجهة الطغيان الفرعوني. ففي سفر الخروج يظهر موسى منقذًا للمقهورين، حاملاً وصايا الرب في صحراء سيناء. وقد ورد في النص التوراتي ، قال الرب لموسى:”: لقد رأيتُ مذلّة شعبي الذي في مصر” (سفر الخروج 3:7).

أخبار متعلقة

 

كيف يمكن لشعبٍ بدأت رحلته بالخلاص من الظلم أن يمارس الظلم ذاته ضد شعبٍ آخر؟ كيف انتقلوا من ضحايا الإستبداد إلى وكلاء الاحتلال؟!

فالوصايا العشر – الركيزة الأخلاقية الأساسية في الديانة اليهودية – تفتتح بتحريم القتل:”لا تقتل” (سفر الخروج 20:13).

لكن في غزة حيث الموت يُصنّع صناعة وتُقصف المدارس والمساجد والمستشفيات ولم يبقَ من الوصية إلا الحبر على الجلد، أيّ شريعة هذه التي تبرّر قنص الأطفال وتجويع المدنيين، وتهجير الآمنين؟

فالتحول التاريخي من شعب مستضعف إلى قوّة استعمارية مسلحة صاحبه انقلاب أخلاقي ونصّي. فبدلًا من أن تكون التوراة وثيقة تحرر باتت – في الفكر الصهيوني – ميثاقًا للغلبة والإقصاء. وقد تم تأويل نصوص كثيرة من التوراة مثل:

“واسأل الرب إلهك أرضهم، فيعطيك إياها” (تثنية 1:8).
لتُصبح غطاءً دينيًا لنهب الأرض، لا دعوة للعدل الإلهي.

لو عاد موسى اليوم ورأى كيف تُرفع رايته فوق دبابات تقصف وكيف تُستدعى نبوّته لتبرير الأسلاك والأسوار والقتل، لوقف صارخًا كما صرخ في وجه فرعون:”أطلق شعبي!” (خروج 5:1).

لكنّه هذه المرة  يوجّهها لفرعون إسرائيل الحديث.

إن الصراع الديني العميق في إسرائيل اليوم ليس فقط مع الآخر الفلسطيني، بل هو داخل النص نفسه بين توراة موسى التي بشّرت بالرحمة والحرية وتوراة صهيونية مستحدثة تحوّلت إلى نص قومي–عسكري.

وقد تنبّه لذلك عدد من المفكرين اليهود المعاصرين مثل يشعياهو ليبوفيتش الذي قال بجرأة:

> “دولة تجمع الدين بالسلاح هي نفي لليهودية نفسها.”
(Liebowitz, 1992, Judaism, Human Values, and the Jewish State, Harvard University Press)

وختاماً ، أري أنه في زمن تتلوّن فيه السياسة بالنصوص وتُغتال النبوة باسم النصر، تبرز الحاجة إلى استعادة موسى النبي لا كرمز قومي، بل كنبيٍ للعدل والضعفاء.
فالتاريخ سيحكم لا بما كُتب في الأسفار بل بما خُطّ بالدم في شوارع غزة.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

د. آية الهنداوي
مدرس الدراسات اليهودية
كلية الآداب – جامعة المنصورة.

Facebook
X
WhatsApp
Telegram
Email