تستعد مدينة شرم الشيخ المصرية لاستضافة مراسم توقيع الاتفاق بين الجانبين الإسرائيلي وحركة حماس، بمشاركة الوسطاء من مصر وقطر، وبدعم أمريكي مباشر، بعد نجاح جولات التفاوض الأخيرة في التوصل إلى تفاهمات شاملة لوقف إطلاق النار وبدء مرحلة جديدة في إدارة ملف غزة. ويأتي هذا الاتفاق في توقيت دقيق يعكس إدراك الأطراف كافة أن استمرار الصراع لم يعد في مصلحة أي طرف، سواء سياسيًا أو إنسانيًا أو أمنيًا.
الاتفاق يتضمن بنودًا رئيسية تشمل التهدئة الشاملة وتبادل الأسرى والرهائن، وانسحاب القوات الإسرائيلية من بعض مناطق القطاع، إلى جانب آليات إعادة الإعمار وضمانات التنفيذ. ورغم صعوبة المشهد وتعقيداته، فإن ما تحقق يعد خطوة جوهرية نحو تثبيت الهدنة وبناء الثقة تمهيدًا لاستقرار طويل الأمد في المنطقة.
ويظل الدور المصري في هذا الملف ثابتًا ومحوريًا، ليس فقط باعتباره امتدادًا لتاريخ طويل من الوساطة الفاعلة، بل لأنه يستند إلى رؤية شاملة لمعادلة الأمن الإقليمي. فمصر تدير الملف الفلسطيني بمنهج مؤسسي يجمع بين الالتزام بالقضية الفلسطينية والحفاظ على استقرار حدودها الشرقية، وهو ما جعلها الطرف الوحيد القادر على التحدث مع جميع الأطراف بقدر من الثقة والاحترام المتبادل.
ويلاحظ أن الحديث عن حضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحفل توقيع الاتفاق يحمل دلالات سياسية واضحة؛ فالإدارة الأمريكية الحالية تسعى إلى تسجيل نجاح ملموس في ملف الشرق الأوسط يعزز مكانة واشنطن الدولية، بينما يدرك ترامب أن أي اختراق في هذا الملف سيُحسب له على الصعيد الداخلي، خاصة في ظل حرصه على تقديم نفسه كرئيس يعيد للولايات المتحدة دورها القيادي في إدارة الأزمات العالمية.
إن اختيار شرم الشيخ لاستضافة هذا الحدث التاريخي ليس مصادفة، فهذه المدينة لطالما كانت رمزًا للسلام ومركزًا رئيسيًا للمؤتمرات الدولية. واحتضانها لمراسم التوقيع يعكس الثقة الدولية في قدرة مصر على إدارة الأزمات الكبرى، ويؤكد أن الدولة المصرية تمتلك من الخبرات والمؤسسات ما يؤهلها لضبط إيقاع المشهد الإقليمي وقت الأزمات.
المتابع للمشهد يدرك أن توقيع الاتفاق لا يعني نهاية الصراع، وإنما بداية مرحلة جديدة تتطلب إدارة دقيقة للتحديات الأمنية والإنسانية والسياسية في غزة. كما أن الالتزام بتنفيذ بنود الاتفاق سيحتاج إلى منظومة رقابة وضمانات دولية تضمن استمراره واستقراره، وهنا يبرز مجددًا الدور المصري كضامن رئيسي، بدعم عربي ودولي، لتحقيق التوازن بين ضرورات الأمن ومقتضيات السلام.
من المهم الإشارة إلى أن هذا الاتفاق سيكون له انعكاسات مباشرة على الأمن القومي المصري، خاصة في ملف الحدود الشرقية وحركة الإعمار وإعادة فتح المعابر. كما يتوجب على الجاليات المصرية بالخارج أن يكون لها دور داعم في نقل الصورة الحقيقية لجهود الدولة المصرية، التي لا تسعى إلى مكسب سياسي، بل إلى استقرار دائم يحمي المنطقة بأسرها من دوامة الفوضى.
وأخيرًا، يبقى الموقف المصري ثابتًا وواقعيًا: فالسلام لا يُفرض، لكنه يُبنى بخطوات محسوبة وإرادة واعية، ومصر كما كانت دائمًا تتحرك من موقع القوة والعقلانية، واضعة مصلحة الأمن القومي فوق كل اعتبار، ومؤمنة بأن استقرار الإقليم يبدأ من أرضها وينطلق منها