المعارك الحديثة لم تعد تُحسم بالسلاح والعتاد وحده، بل باتت ساحاتها الحقيقية هي العقول والقلوب. وفي هذا الميدان، تبرز المرأة المصرية كـ”جبهة متقدمة” في معركة القوة الناعمة، حيث تتحول إلى أداة استراتيجية تدافع عن صورة الوطن وتدعم حضوره الدولي. فمن داخل مؤسسات الدولة، أو عبر الجاليات في الخارج، أثبتت المرأة أنها قادرة على لعب دور لا يقل أهمية عن الجندي على الحدود أو الدبلوماسي في المحافل الدولية.
في الحالة المصرية، يكتسب هذا الدور أهمية مضاعفة. فمصر تملك رصيدًا تاريخيًا في تمكين المرأة، منذ رائدات العمل النسوي في بدايات القرن العشرين وحتى وصول السيدات اليوم إلى مواقع متقدمة في الحكومة والبرلمان والهيئات الدبلوماسية. لكن البعد الأكثر تأثيرًا يتمثل في دور القيادات النسائية داخل الجاليات المصرية بالخارج، وخصوصًا في أوروبا وأمريكا.
هؤلاء السيدات لا يقمن فقط بإدارة شؤون الجاليات أو المشاركة في الأنشطة الثقافية، بل يتحولن إلى واجهة حضارية لمصر، تجسد قيمها وتاريخها أمام المجتمعات المضيفة. وعبر تفاعلهن اليومي مع مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام الأجنبية، ينقلن صورة حقيقية عن مصر بعيدة عن التنميط الإعلامي الغربي. المرأة هنا تتحول إلى أداة دبلوماسية موازية، تعزز جهود الدولة الرسمية وتفتح قنوات للتواصل الإنساني والشعبي.
لقد أظهرت التجارب أن الدبلوماسية التقليدية، مهما كانت فاعليتها، تحتاج إلى وجه ناعم يمنحها المصداقية ويكسبها القبول. وعندما تتحدث المرأة المصرية في الخارج عن قضايا وطنها – سواء في الدفاع عن استقرار الدولة، أو توضيح الموقف المصري من الأزمات الإقليمية، أو دعم القضايا العربية وعلى رأسها فلسطين – فإن رسالتها تصل إلى الرأي العام الدولي بقدر من التأثير يصعب أن يحققه الخطاب السياسي المباشر.
ويتطلب ذلك استثمار هذه الطاقة الكامنة بدمج سيدات الجاليات في رؤية وطنية منظمة، تتبناها مؤسسات الدولة بالتنسيق مع وزارات الخارجية والهجرة والثقافة، مع إعداد برامج تدريب وتأهيل تتيح لهن امتلاك أدوات الخطاب العصري، وفهم طبيعة الرأي العام الغربي وكيفية مخاطبته، ومنحهن مساحة من التقدير والدعم الرسمي، بما يعكس أن الدولة تراهن عليهن بجدية.
إن القوة الناعمة ليست شعارًا نظريًا، بل رصيد عملي يمكن لمصر أن تبني عليه استراتيجيتها الخارجية. وإذا كان الفن والرياضة والآثار عناصر ثابتة في هذه القوة، فإن المرأة المصرية في الخارج تمثل عنصرًا ديناميكيًا يتجدد بتجدد الأجيال وتغير البيئات الثقافية.
في النهاية، يمكن القول إن المرأة المصرية ليست فقط شريكًا في معركة الداخل، بل رأس حربة في معركة الصورة بالخارج، وقادرة على أن تكون خط الدفاع الأول عن صورة الوطن وتعزيز مكانته الدولية. إنها رسالة حضارية بامتياز: مصر التي تمتلك أعمدة القوة الصلبة في جيشها واقتصادها، قادرة أيضًا أن تقدم للعالم وجهها الناعم عبر سيداتها اللاتي يجسدن قيم الانتماء والوعي والقدرة على التأثير.
إنها رسالة مصر إلى العالم: قوة تحمي… ووجوه تضيء