رئيس مجلس الإدارة
د. مروة حسين

نائب رئيس مجلس الإدارة
م. ياسين الزيني

رئيس التحرير
ا. محمد صلاح

المدير التنفيذي
د. محمد زكريا

شيماء إبراهيم تكتب: التهجير القسري للفلسطينيين.. أمن مصر القومي خط أحمر

إن مصر لا تساوم على أمنها القومي، ولا تعرف أنصاف المواقف، ومن يقرأ التاريخ يدرك أن القاهرة إذا قالت فعلت، هذا ما ظهر بوضوح في التصريحات الأخيرة التي جدّدت رفض مصر القاطع لكل محاولات تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، باعتبار أن مثل هذه الخطط ليست فقط جريمة في حق الشعب الفلسطيني، بل تهديد مباشر لبقاء واستقرار الدولة المصرية.

منذ اندلاع الحرب الأخيرة في غزة، عادت إلى السطح محاولات إحياء فكرة التهجير القسري للفلسطينيين، وهي ليست فكرة جديدة بقدر ما هي امتداد لمخططات قديمة جرى طرحها منذ عقود. لكن خطورتها اليوم تكمن في أنها تتزامن مع ظروف إقليمية ودولية معقدة، تجعل من هذه المحاولات تهديدًا مباشرًا ليس فقط للشعب الفلسطيني، بل للأمن القومي المصري بكل أبعاده.

أخبار متعلقة

سيناء بالنسبة لمصر ليست مجرد أرض، لكنها رمز للسيادة والتضحيات. دماء آلاف الشهداء المصريين روت رمالها في حروب متعاقبة دفاعًا عن تراب الوطن. لذلك، فإن أي طرح يقترب من سيناء باعتبارها “أرض بديلة” هو تجاوز للخطوط الحمراء الوطنية، الدولة المصرية أعلنت بوضوح وعلى جميع المستويات، أن سيناء خط أحمر، وأنها لن تكون أبدًا ثمنًا لحلول مؤقتة أو لمعادلات سياسية مفروضة من الخارج.

منذ اللحظة الأولى التي طُرحت فيها أطروحات التهجير القسري للفلسطينيين نحو سيناء، تعاملت القاهرة مع الأمر باعتباره تهديدًا وجوديًا لا يقبل المساومة، فالمسألة لا ترتبط فقط بالبعد الإنساني أو القانوني، وإنما تمس جوهر الأمن القومي المصري، الذي يرتكز تاريخيًا على معادلة واضحة: أن سيناء أرض سيادة وليست ساحة بديلة لأي صراع. ولهذا جاء الموقف المصري سريعًا وحاسمًا، مدعومًا بتحركات دبلوماسية نشطة أوصلت الرسالة بوضوح إلى كل الأطراف الإقليمية والدولية.

القانون الدولي بدوره واضح: التهجير القسري جريمة حرب وفق اتفاقيات جنيف، ما يجري الحديث عنه هو جريمة مزدوجة، لأنه لا يستهدف فقط اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، بل يفتح الباب أمام تغيير ديموغرافي طويل الأمد يقضي على أي أفق لحل عادل للقضية الفلسطينية.

لكن الأخطر أن التهجير القسري لو تم، سيحوّل سيناء إلى ساحة توتر دائم، وجود مئات الآلاف من المهجرين في منطقة حساسة سيخلق بيئة قابلة للاستغلال من جماعات مسلحة، ويعيد إنتاج سيناريوهات الفوضى على حدود مصر الشرقية. وهو ما يتعارض مع الجهود التي بذلتها الدولة المصرية على مدى سنوات لتطهير سيناء من الإرهاب وبسط الاستقرار فيها.

القاهرة هنا لم تكتفِ برفض لفظي، بل أعادت تذكير العالم بمعادلة الأمن القومي: أي عبث بالحدود الشرقية هو تهديد مباشر لاستقرار مصر، وأي محاولة لتغيير طبيعة الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي عبر تصديره إلى سيناء ستواجه برفض شامل، من يقرأ هذه الرسالة يدرك أن الموقف المصري ليس مجرد رد فعل آني، وإنما امتداد لرؤية استراتيجية تؤمن أن حماية الأرض جزء من حماية الدولة ذاتها.

الجيش المصري، الذي قدّم نموذجًا فريدًا في التعامل مع الإرهاب في سيناء، يقف اليوم على جبهة مختلفة: جبهة الدفاع عن الأمن القومي في صورته الأوسع، فالمواجهة هنا ليست فقط مع جماعات مسلحة، بل مع ضغوط دولية وإقليمية تحاول فرض أمر واقع.

وإذا كان البعض يظن أن الضغوط الإقليمية أو تفاهمات القوى الكبرى قد تفرض أمرًا واقعًا، فإن قراءة دقيقة للتاريخ تُثبت أن القاهرة، كلما واجهت تحديًا من هذا النوع، خرجت أكثر تمسكًا بمبادئها، ومن هنا يمكن استشراف أن الموقف المصري لن يتوقف عند حدود الرفض، بل سيتطور إلى بناء جبهة إقليمية أوسع تضع العالم أمام حقيقة واحدة: أن سيناء خط أحمر.

في هذا السياق، يتجلى الدور المصري كضامن للاستقرار الإقليمي. القاهرة تتحرك دبلوماسيًا وسياسيًا لتثبيت المعادلة: لا تهجير، لا مساس بسيناء، ولا حلول على حساب مصر، وفي الوقت ذاته، تظل مصر سندًا للفلسطينيين في حقهم المشروع بالثبات على أرضهم، وإقامة دولتهم المستقلة.

ولعل ما يميز التحرك المصري أنه يجمع بين الحزم السياسي والدبلوماسية النشطة، القاهرة تحركت في كل اتجاه: من الأمم المتحدة إلى العواصم الكبرى، لتؤكد أن القضية الفلسطينية لا يمكن اختزالها في صفقات أو حلول ترحيل، وأن جوهرها الحقيقي هو الأرض والهوية والحقوق التاريخية. وهنا تُظهر مصر أنها لا تدافع فقط عن حدودها، بل عن بوصلة الصراع العادلة.

ومن خلال متابعة ردود الفعل الأخيرة، يبدو أن مصر تمهّد لبناء موقف عربي موحد يعيد القضية الفلسطينية إلى مسارها الصحيح، ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، ولعل الرسالة الأهم أن القاهرة لا تضع فقط خطوطًا حمراء، بل ترسم ملامح مرحلة جديدة في إدارة الصراع، تقوم على رفض التنازل أو المقايضة، وعلى تثبيت الحقوق الفلسطينية كجزء لا يتجزأ من أمن واستقرار الإقليم.

إن التهجير القسري للفلسطينيين ليس مجرد “خيار” يُطرح على موائد التفاوض، بل هو تحدٍ للأمن القومي المصري والعربي، ومثلما واجهت مصر في السابق مشروعات استهدفت اقتطاع جزء من أرضها أو تغيير هويتها، فإنها اليوم تواجه المحاولة نفسها بوعي استراتيجي راسخ، يستند إلى تاريخ طويل من التضحيات وإدراك عميق لطبيعة الصراع.

إن استشراف المشهد القريب يؤكد أن التهجير القسري لن يجد طريقه إلى التنفيذ، ليس فقط لرفض مصر القاطع، بل لأن البدائل التي تطرحها القاهرة عبر قنواتها الدبلوماسية باتت أكثر واقعية وقبولًا، ومع كل تحرك مصري محسوب، يتأكد للعالم أن سيناء ستظل أرضًا مصرية خالصة، وأن الدفاع عنها هو دفاع عن بقاء الدولة واستقرار المنطقة بأسرها.

مصر قالت كلمتها.. ولن تتراجع

Facebook
X
WhatsApp
Telegram
Email