المصريون بالخارج مش مجرد جاليات منتشرة في دول مختلفة، لكنهم رصيد بشري ضخم يمثل قوة ناعمة وصلبة في نفس الوقت. نجاح أي دولة في العصر الحالي بيتقاس مش بس بقدراتها العسكرية أو الاقتصادية، لكن كمان بقدرتها على تحويل مواطنيها في الخارج إلى أذرع مؤثرة في السياسة الدولية، وجسور حقيقية للاستثمار والمعرفة.
لو بصينا حوالينا هنلاقي تجارب ملهمة. الهند مثلًا قدرت تحول جالياتها في أمريكا وأوروبا إلى لوبي اقتصادي وسياسي ساعدها في جذب استثمارات ضخمة ورفع مكانتها التكنولوجية. وفي المقابل، دول أخرى اعتمدت على نفوذ جالياتها بالخارج للتأثير في دوائر صنع القرار الأمريكي والأوروبي ودعم قضاياها الاستراتيجية. الجالية الأرمنية مثلًا – رغم صغر عددها نسبيًا – استطاعت تمارس تأثير سياسي وإعلامي واسع في الولايات المتحدة وأوروبا. والجالية الكوبية في أمريكا لعبت دور محوري في صياغة السياسات الأمريكية تجاه هافانا لعقود طويلة. أما إيطاليا والمكسيك فأسست مجالس خاصة للمغتربين بتربطهم بالدولة الأم بشكل دائم وتمنحهم دور مؤثر في قضايا استراتيجية.
في الحالة المصرية، اتعملت بالفعل خطوات مهمة زي إنشاء وزارة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج، وإطلاق مبادرات زي “مصر تستطيع” لربط العلماء والخبراء بوطنهم، وكمان اتحادات وروابط بتقوم بأدوار خدمية واجتماعية مهمة. لكن رغم ده، يظل الدور في أغلب الأحيان “موسمي” و”احتفالي”، أكتر منه منظومة ضغط واستثمار مستدام.
قوة مصر الناعمة بالخارج مش بس في أعداد المغتربين، لكن في تنظيمهم وقدرتهم على الحركة المنظمة. المطلوب مش إننا نفرح بمؤتمر هنا أو مبادرة هناك، لكن إن يبقى فيه إطار استراتيجي مستدام بيحوّل المصريين بالخارج من مجرد متابعين أو داعمين عاطفيين للوطن، إلى أدوات ضغط حقيقية، وصنّاع صورة إيجابية لمصر في العالم.
علشان ده يتحقق، لازم تكون الاستراتيجية أعمق وأشمل:
– بناء لوبيات مصرية بالخارج قادرة على ممارسة الضغط السياسي في البرلمانات والحكومات الغربية، ودعم القضايا المصرية في لحظات الأزمات.
– تأسيس مراكز فكر للجاليات تقدم أوراق سياسات ودراسات تدعم صورة مصر، وتشرح مواقفها بطرق علمية للإعلام ومراكز الأبحاث العالمية، بدل ما نسيب الساحة للخطابات المعادية.
– بناء شراكات مؤسسية دائمة تربط الجاليات بمشروعات التنمية في مصر، مش بس عبر التحويلات المالية، لكن من خلال استثمارات وتعاون تكنولوجي يضمن استدامة العلاقة.
المصري بالخارج مش مجرد مهاجر أو عامل وافد، لكنه امتداد استراتيجي لقوة الدولة المصرية. اللحظة الحالية مناسبة للانتقال من المبادرات الرمزية إلى بناء لوبي مصري عالمي منظم يرفع من قوة مصر الإقليمية والدولية، ويعيد تعريف معنى “القوة الناعمة المصرية” في سياق دولي جديد.