رئيس مجلس الإدارة
د. مروة حسين

نائب رئيس مجلس الإدارة
م. ياسين الزيني

رئيس التحرير
ا. محمد صلاح

المدير التنفيذي
د. محمد زكريا

د. آية الهنداوي تكتب: اليهود ضد اليهود .. التاريخ والواقع المعاصر

عندما يتم تناول تاريخ اليهود، غالبًا ما يُركز على الصراعات التي خاضوها مع المجتمعات الأخرى، لكن هناك بُعدًا آخر لا يقل أهمية، وهو الصراعات الداخلية بين اليهود أنفسهم، سواء على المستوى الديني، السياسي، الثقافي، أو حتى الإجتماعي، هذه الصراعات لم تكن مجرد خلافات بسيطة، بل امتدت أحيانًا إلى مواجهات عنيفة وحروب أهلية مصغرة داخل المجتمعات اليهودية نفسها.

1. الصراعات الدينية: من الكهنة إلى الحريديم

أخبار متعلقة

الصراع الديني داخل اليهودية ليس جديدًا؛ بل يعود إلى جذور عميقة في التاريخ اليهودي ، ففي العصور القديمة شهد اليهود صراعات بين الفرق الدينية المختلفة مثل الصدوقيين والفريسيين في فترة الهيكل الثاني ، والصدوقيون الذين كانوا يسيطرون على الكهنوت في الهيكل، كانوا أكثر قربًا من الطبقات الأرستقراطية ومنفتحين على التأثيرات الهلنستية، بينما كان الفريسيون يمثلون الفئات الشعبية وكانوا أكثر تشددًا في تطبيق الشريعة اليهودية.

في العصر الحديث، تجسدت هذه الصراعات بين اليهود الأرثوذكس المتشددين (الحريديم) والعلمانيين، حيث ترفض الجماعات الحريدية التجنيد الإجباري في الجيش الإسرائيلي وترى في الدولة الصهيونية مشروعًا غير ديني، بينما يتهمهم العلمانيون بأنهم يستغلون موارد الدولة دون المساهمة فيها.

2. الصراعات السياسية: اليسار ضد اليمين

منذ تأسيس الحركة الصهيونية، انقسم اليهود سياسيًا إلى تيارات متنافسة، كان هناك تيار يساري اشتراكي، يمثله حزب “الماباي” الذي قاد إسرائيل في سنواتها الأولى، بينما كان هناك تيار يميني قومي متشدد، مثله حزب “حيروت” بقيادة مناحيم بيجن، الذي انبثق منه لاحقًا حزب “الليكود”، هذا الانقسام لم يكن نظريًا فقط، بل أدى إلى صدامات فعلية، مثل المواجهات المسلحة بين “الهاجاناه” و”الإرجون” أثناء فترة الإنتداب البريطاني، وأبرزها حادثة “ألتالينا” عام 1948، حيث قامت قوات دافيد بن جوريون بقصف سفينة تحمل أسلحة لصالح ميليشيات يمينية.

في إسرائيل اليوم، لا يزال الصراع السياسي محتدا، حيث تتصارع الأحزاب اليمينية بقيادة “الليكود” مع الأحزاب اليسارية مثل “العمل” و”ميرتس”، بالإضافة إلى صراع داخلي بين التيار الديني القومي والتيار العلماني.

3. الصراعات العرقية: الإشكناز والسفارديم والفلاشا

من الصراعات المهمة داخل المجتمع اليهودي تلك التي تدور حول الأصل العرقي والثقافي، اليهود الإشكناز (اليهود الأوروبيون) كانوا تاريخيًا هم المسيطرين على المؤسسات الصهيونية والدولة الإسرائيلية، مما تسبب في تهميش اليهود السفارديم (اليهود الشرقيون) الذين قدموا من الدول العربية والإسلامية.

هذا التمييز تجسد في فضيحة “أطفال اليمن” حيث اتُهمت الحكومة الإسرائيلية في الخمسينيات باختطاف أطفال يهود يمنيين وتسليمهم لعائلات إشكنازية، كما تعرض اليهود الإثيوبيون (الفلاشا) إلى تمييز ممنهج، سواء في توزيع الوظائف أو في الإعتراف الديني بهم، حيث رفض الحاخامات الإشكناز اعتبارهم يهودًا بالكامل إلا بعد إجراءات دينية خاصة.

4. الصراعات الإقتصادية والإجتماعية

في إسرائيل، هناك فجوة إقتصادية كبيرة بين الفئات الغنية والفقيرة، والتي تتقاطع مع الإنقسامات العرقية والسياسية، حيث يسيطر الإشكناز والعلمانيون على القطاعات الإقتصادية الكبرى، بينما تعاني الجماعات الحريدية من الفقر بسبب قلة مشاركتهم في سوق العمل. كما أن هناك توترات بين الطبقة العاملة والطبقة الحاكمة، خاصة مع ارتفاع تكلفة المعيشة وأزمة السكن.

5. الصراعات بين اليهود في الشتات وإسرائيل

رغم أن إسرائيل تدعي تمثيلها لجميع اليهود، إلا أن هناك خلافات جوهرية بينها وبين الجاليات اليهودية في الشتات خاصة في الولايات المتحدة ، فاليهود الأمريكيون الذين يميلون إلى الليبرالية ينتقدون السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، بينما ترى إسرائيل أن هؤلاء اليهود لا يفهمون طبيعة التهديدات التي تواجهها الدولة.

ختاماً :

رغم أن اليهود كثيرًا ما يظهرون ككتلة موحدة أمام الخارج، فإن الحقيقة أن مجتمعهم مليء بالصراعات الداخلية التي تتعلق بالدين، العرق، السياسة، والإقتصاد. هذه الصراعات ليست مجرد اختلافات في وجهات النظر، بل هي خلافات جوهرية أثرت على تطور المجتمع اليهودي وقد تؤثر على مستقبله.
—————–
د. آية الهنداوي
مدرس الدراسات اليهودية
كلية الآداب – جامعة المنصورة.

Facebook
X
WhatsApp
Telegram
Email