تُعد الماسونية واحدة من أكثر الحركات الغامضة التي أُثيرت حولها العديد من النظريات والشكوك عبر التاريخ. وقد ارتبط اسم الماسونية في بعض الروايات باليهودية، مما أثار الكثير من الجدل حول طبيعة العلاقة بينهما. تستند هذه الادعاءات غالبًا إلى وثائق تاريخية وتأويلات مختلفة، بينما ينفي العديد من الباحثين أي صلة مباشرة بين الديانتين. وسأحاول تقديم رؤية موضوعية حول هذه العلاقة من خلال استعراض الجذور التاريخية للماسونية، والإتهامات الموجهة إليها، وموقف الدراسات الحديثة من هذه القضية.
الماسونية هي حركة سرية نشأت في القرون الوسطى، وتعود جذورها إلى تجمعات البنّائين الحُر (Freemasons) الذين كانوا يعملون في تشييد الكاتدرائيات الأوروبية. ومع مرور الوقت، تحوّلت هذه التجمعات من نقابات مهنية إلى تنظيمات اجتماعية ذات طابع فلسفي وأخلاقي، تسعى إلى تعزيز قيم الحرية والإخاء والمساواة.
أهم مبادئ الماسونية:
الإيمان بوجود خالق (يسمى “مهندس الكون الأعظم” دون تحديد ديانة معينة).
تعزيز القيم الإنسانية مثل التسامح والعدالة.
السرية التامة في الطقوس والاجتماعات.
أصل الإتهامات بارتباط الماسونية باليهودية:
تعود العلاقة المفترضة بين اليهودية والماسونية إلى عدة عوامل، منها:
1. الرموز والتشابهات الطقسية:
يُعتقد أن بعض الرموز الماسونية، مثل نجمة داود وسُلّم يعقوب، تشبه الرموز اليهودية. ومع ذلك، يرى الماسونيون أن هذه الرموز ليست حكرًا على ديانة معينة، بل لها دلالات فلسفية عالمية.
2. بروتوكولات حكماء صهيون:
هي وثيقة ظهرت في القرن العشرين تدّعي وجود خطة يهودية للسيطرة على العالم من خلال منظمات سرية كالماسونية. ولكن غالبية المؤرخين يعتبرون هذه الوثيقة تزويرًا تم نشره لأغراض دعائية معادية للسامية.
3. دور شخصيات يهودية في الماسونية:
على الرغم من أن بعض اليهود انضموا إلى الماسونية، إلا أن التنظيم لا يقتصر على أتباع دين معين. وهو مفتوح لجميع الأديان التي تؤمن بوجود إله.
موقف الدراسات الحديثة:
1. رفض الادعاءات التآمرية:
يؤكد العديد من الباحثين أن الماسونية ليست مرتبطة رسميًا باليهودية أو بأي دين معين. فهي تنظيم يرحّب بأعضاء من مختلف العقائد.
2. تأثير الثقافة الغربية:
الماسونية هي نتاج الثقافة الغربية الأوروبية، وليست انعكاسًا لدين بعينه. وقد تأثرت بأفكار التنوير الأوروبي مثل العقلانية والحرية الفردية.
3. الشفافية الحديثة:
في العقود الأخيرة، حاولت المحافل الماسونية تقليل السرية المحيطة بها من خلال نشر كتب تعريفية ومواقع إلكترونية تشرح أهدافها وأنشطتها.
علاقة اليهودية بالماسونية هي موضوع معقد يحيط به الكثير من الجدل والأساطير. ورغم الادعاءات المتكررة بوجود صلة خفية بين الطرفين، فإن الأدلة التاريخية الموثوقة تؤكد أن الماسونية حركة مستقلة تضم أتباعًا من مختلف الأديان، ولا تتبنى عقيدة دينية محددة. تظل هذه القضية مثالًا على كيفية اختلاط الحقيقة بالتأويلات في فهم الحركات السرية عبر التاريخ.
ورفض الماسونية له أسباب ومواقف دينية وإجتماعية.
فالماسونية هي حركة عالمية أثارت الكثير من الجدل بسبب طبيعتها السرية وطقوسها الغامضة. وعلى مر العصور، واجهت الماسونية رفضًا واسعًا من قبل العديد من الدول والهيئات الدينية، بما في ذلك المؤسسات المسيحية والإسلامية. هذا الرفض ينبع من مخاوف تتعلق بمعتقداتها، وتأثيراتها الاجتماعية والسياسية، ودرجة التوافق بينها وبين القيم الدينية والأخلاقية.
أسباب رفض الماسونية:
1. السرية والغموض:
تُعد السرية المطلقة التي تحيط بطقوس واجتماعات الماسونية من أبرز أسباب الرفض. فالعديد من المعارضين يرون أن هذه السرية قد تخفي أهدافًا غير معلنة أو أجندات خفية تؤثر على المجتمع والسياسة.
2. التعارض مع التعاليم الدينية:
ترى بعض المؤسسات الدينية أن الماسونية تتبنى أفكارًا تتعارض مع المبادئ الإيمانية.
يُتهم الماسونيون بتبني مفهوم “الإيمان بإله عام” دون تحديد عقيدة محددة، مما يتناقض مع العقائد الدينية التي تؤمن بإله محدد وصفات واضحة.
3. اتهامات بالتآمر:
ارتبطت الماسونية بنظريات المؤامرة، حيث يُعتقد أنها تسعى للسيطرة على الحكومات والتأثير على القرارات السياسية والاقتصادية العالمية.
وُجهت إليها اتهامات بإدارة أجندات خفية تهدف إلى تفكيك القيم الدينية والوطنية.
4. الاستقلال عن الأديان:
يُنظر إلى الماسونية على أنها تنظيم علماني يعزز القيم الإنسانية على حساب التعاليم الدينية.
البعض يرى أن الماسونية تعزز مبدأ النسبية الأخلاقية، مما يضعف المرجعية الدينية.
مواقف الأديان من الماسونية:
1. الموقف الإسلامي:
أصدر مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي فتوى عام 1978 تحرم الانضمام إلى الماسونية، معتبرًا أنها “منظمة سرية تخدم مصالح استعمارية وصهيونية.”
استندت الفتوى إلى أن الماسونية تعمل على نشر الإلحاد، وتقويض العقائد الدينية، والتآمر ضد الدول الإسلامية.
2. الموقف المسيحي:
أعلن الفاتيكان عدة مرات رفضه القاطع للماسونية. في عام 1983، أصدر البابا يوحنا بولس الثاني بيانًا يؤكد أن الإنضمام إلى الماسونية “خطيئة جسيمة” تتعارض مع تعاليم الكنيسة الكاثوليكية.
العديد من الكنائس الأرثوذكسية والبروتستانتية تتبنى مواقف مماثلة في رفض الماسونية.
مواقف الدول والحكومات:
حظر قانوني:
حظرت بعض الدول، خاصة في الشرق الأوسط، الأنشطة الماسونية باعتبارها تهديدًا للأمن القومي أو مخالفة للقيم الدينية.
المراقبة والتضييق:
في العديد من الدول الأوروبية، تخضع المحافل الماسونية لرقابة شديدة بسبب تاريخها السري وتخوف الحكومات من نفوذها السياسي.
وختاما :
يرجع رفض الماسونية إلى مخاوف تتعلق بالغموض والسرية، والاتهامات بالتآمر، والتعارض مع العقائد الدينية. ورغم تأكيد الماسونيين على أن حركتهم تدعم القيم الإنسانية والإخاء، فإن الشكوك حول أهدافها ودوافعها ما زالت قائمة، ما جعل العديد من المؤسسات الدينية والحكومات تتخذ موقفًا حاسمًا ضدها.