الأربعاء 31 ديسمبر 2025

رئيس مجلس الإدارة
مروة حسين

نائب رئيس مجلس الإدارة
م. ياسين الزيني

رئيس التحرير
ا. محمد صلاح

المدير التنفيذي
د. محمد زكريا

شيماء إبراهيم تكتب: باب المندب لا يعترف ب”صومالي لاند”.. بل يعترف بمن يكتب الجغرافيا

في الجغرافيا السياسية، في لحظات أخطر من القرارات نفسها؛ لحظات نكتشف فيها أن الخريطة اتغيرت من غير ما حد يرفع علم، أو يعلن بيان. واللحظة الحالية واحدة منهم.

إسرائيل لم تعترف بصومالي لاند… إسرائيل اعترفت بفرصتها في باب المندب.

أخبار متعلقة

والفرق بين الجملتين هو الفرق بين قراءة الخبر وقراءة المشهد. الفرق بين حدود مرسومة على ورق، ونفوذ بيتشكل على خريطة بتتنفس قبل ما تُرسم.

في السياسة الإقليمية، الدولة مش دايمًا اللي ليها نشيد ودستور. أحيانًا الدولة الحقيقية هي “نقطة” على الممر، أو ميناء بيتحوّل لذراع، أو تواجد عسكري بيتطور لصلاحية تحريك ميزان القوة. الاعتراف الرسمي مش الهدف… الهدف هو الوصول للمكان اللي لو اتفتح اتغيرت موازين الإقليم، ولو اتقفل القاهرة نفسها تتنفس بصعوبة.

 

اللي بيحصل في القرن الإفريقي مش حدث عابر. ده فصل جديد في سباق النفوذ حوالين قناة السويس. وكل تموضع في هذا الممر مش مجرد لعبة. هو تهديد محتمل، أو فرصة مؤجلة، أو جرس إنذار بيقول للقاهرة: “المعادلة بتتكتب من جديد.”

 

إسرائيل بتشتغل بخريطة نفوذ مش بخريطة حدود. وده جوهر التحرك في صومالي لاند:

مش بحثًا عن علم جديد فوق سفارة، ولكن عن موطئ قدم على ممر مائي قادر على خنق أو تحرير اقتصاد بأكمله. اعتراف بلا ضجيج. تأثير بلا استعراض. مش تطبيع مع دولة… لكن تطبيع مع جغرافيا.

 

وهنا لازم يتقال بوضوح:

المشهد مش غايب عن القاهرة.

الدولة المصرية اعتادت تاريخيًا قراءة اللحظة قبل ما تكتب في بيان، واختيار نقطة التمركز قبل ما ترفع شعار المواجهة. وده مش ادّعاء؛ ده ميراث دولة بحجم قارة، موقعها الجغرافي مش “ميزة”… موقعها الجغرافي قدر استراتيجي بيكتب سياستها الخارجية.

 

القلق الحقيقي مش سؤال: «هل اعترفوا؟»

لكن: أين يتمركزون؟ ولماذا الآن؟

وليه باب المندب تحديدًا؟ لأن مصر مش محتاجة خصم يقترب من قناة السويس بالأسطول. الخصم الحقيقي يقترب بالخريطة. يختار نقطة ارتكاز. وبعدين يعيد تعريف المرور:

مين يعدي؟ مين يدفع؟ مين يتأخر؟ ومين يتأذى؟

 

وهنا تظهر قوة مصر الحقيقية:

مش في استعراض القوة، لكن في حسن إدارة الردع.

مش في ضجيج التصريحات، لكن في دقة التموضع.

مصر عندها أدوات، وعندها أوراق، والأهم… عندها قراءة.

قراءة بتشوف “باب المندب” كامتداد للسويس، مش كملف منفصل،

وبتشوف الملف مش كخطر، لكن كفرصة لإعادة هندسة معادلة الأمان البحري من جديد.

 

لو التحرك الإسرائيلي “قراءة”، فالقاهرة تمتلك “نص المشهد”.

ولو التحرك “تموضع”، فمصر قادرة على صياغة توازن ردع لا رد فعل.

ردع يبدأ بالدبلوماسية، ويمتد للدفاع، ويمر أحيانًا عبر الاقتصاد… قبل أي سيناريو آخر.

 

باب المندب مش مجرد نقطة على خط الملاحة الدولي.

باب المندب بداية نص جديد في معادلة الأمن القومي المصري…

ومصر ليست طرفًا يراقب. مصر طرف يكتب.

 

الاعتراف مش نص قرار. الاعتراف نص تموضع.

والجغرافيا السياسية لا تعرف الفراغ؛ المكان الذي تنسحب منه قوة… يدخل إليه آخر.

والسؤال مش: «ليه إسرائيل هناك؟»

السؤال الحقيقي: «كيف ستعيد القاهرة هندسة اللحظة؟»

 

لأن في المساحات الرمادية، مافيش نفس محايد.

في نفس بيصنع قوة… ونفس بيضيعها.

ومصر… اختارت تتنفس قوة.

Facebook
X
WhatsApp
Telegram
Email