رئيس مجلس الإدارة
مروة حسين

نائب رئيس مجلس الإدارة
م. ياسين الزيني

رئيس التحرير
ا. محمد صلاح

المدير التنفيذي
د. محمد زكريا

شيماء إبراهيم تكتب: بين المنصب والتأثير… من يصنع القرار فعليًا؟

في المجال العام، كثيرًا ما نخلط بين من يشغل المنصب ومن يصنع القرار، وبين من يوقّع على الورق ومن يوجّه المسار فعليًا. فالصورة الذهنية الشائعة تربط القوة بالكرسي، والقرار باللقب، بينما الواقع المؤسسي أكثر تعقيدًا وعمقًا من ذلك.

المنصب يمنح سلطة رسمية وصلاحيات واضحة، لكنه لا يضمن بالضرورة التأثير. فكم من مسؤول يحمل توقيع القرار، بينما صياغته الحقيقية جاءت نتيجة تقديرات ومناقشات أعمق داخل منظومة أوسع. وكم من شخص غادر موقعه الرسمي، لكنه ظل حاضرًا في المعادلة بقدرته على الفهم والتأثير وقراءة المشهد.

أخبار متعلقة

السلطة بطبيعتها مؤقتة، مرتبطة بالمكان والصفة، وقابلة للتغيير بتغير الظروف. أما التأثير، فهو قدرة أكثر دوامًا، تقوم على الخبرة، وبناء الثقة، وفهم التوازنات، وإدراك التوقيت المناسب. ولهذا، قد يمتلك البعض المنصب دون أن يمتلكوا التأثير، بينما يملك آخرون التأثير الحقيقي دون أن يظهروا في الواجهة.

في المؤسسات الكبرى والدول الحديثة، نادرًا ما يُصنع القرار في لحظة واحدة أو بيد فرد واحد. القرار يمر بمراحل متعددة: تقدير موقف، تحليل، نقاش، اختبار، ثم صياغة نهائية. وخلال هذه المراحل، تلعب دوائر التأثير غير المعلنة دورًا محوريًا؛ خبراء، ومستشارون، وأصحاب خبرة تراكمية يعرفون كيف تُدار الأمور خلف الكواليس، وكيف تُمرَّر الأفكار دون صدام.

ولهذا، فإن من يوقّع القرار ليس بالضرورة من وجّه اتجاهه، بل قد يكون الحلقة الأخيرة في سلسلة طويلة من التأثير الهادئ. فالقوة الحقيقية داخل المنظومات لا تعمل بالصوت العالي، ولا تحتاج إلى الظهور المستمر، بل تعتمد على إدارة التوقيت، واختيار اللغة، ومعرفة متى يُقال الشيء ومتى يُترك دون إعلان.

التأثير، في هذا السياق، أخطر وأدوم من السلطة. فالسلطة تنتهي بانتهاء المنصب، أما التأثير فيستمر طالما بقي صاحبه قادرًا على الفهم، وبناء الثقة، وتقديم قيمة حقيقية. ولهذا، تعتمد الدول القوية على منظومات مؤسسية لا على أشخاص، وعلى توزيع الأدوار لا على تركيز السلطة.

فهم الفرق بين المنصب والتأثير لا يُعد تشكيكًا في مؤسسات الدولة، بل هو حماية لها. لأن الدولة التي تُدار بوعي مؤسسي تدرك أن الاستقرار لا يقوم على الظهور، بل على العمل الهادئ، وعلى منظومة متماسكة تعرف أن القوة الحقيقية ليست دائمًا في المقدمة.

وفي النهاية، يبقى السؤال الأهم ليس: من يجلس على الكرسي؟

بل: من يملك الفهم، ويُحسن التوقيت، ويصنع الأثر؟ .

Facebook
X
WhatsApp
Telegram
Email